سورة الأنعام - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} على حالاتكم التي أنتم عليها {إني عامل} على مكانتي، وهذا أمرُ تهديدٍ. يقول: اعملوا ما أنتم عاملون، إنِّي عاملٌ ما أنا عاملٌ {فسوف تعلمون مَنْ تكون له عاقبة الدار} أيُّنا تكون له الجنَّة {إنه لا يفلح الظالمون} لا يسعد مَنْ كفر بالله وأشرك بالله.
{وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام} كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم {نصيباً} وللأوثان نصيباً، فما كان للصَّنم أُنْفِقَ عليه، وما كان لله أُطعم الضِّيفان والمساكين، فما سقط ممَّا جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه، وقالوا: إنَّ الله غنيٌّ عن هذا، وإن سقط ممَّا جعلوه للأوثان من نصيب الله التقطوه وردُّوه إلى نصيب الصَّنم، وقالوا: إنَّه فقير، فذلك قوله: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} ثمَّ ذمَّ فعلهم فقال: {ساء ما يحكمون} أَيْ: ساء الحكم حكمهم حيث صرفوا ما جعلوه لله على جهة التَّبرُّز إلى الأوثان.
{وكذلك} ومثل ذلك الفعل القبيح {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} يعني: الشَّياطين أمروهم بأن يئدوا أولادهم خشية العَيْلَة {ليردوهم} ليهلكوهم في النَّار {وليلبسوا عليهم دينهم} ليخلطوا ويُدخلوا عليهم الشَّكَّ في دينهم، ثمَّ أخبر أنَّ جميع ما فعلوه كان بمشيئته، فقال: {ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون} من أنَّ لله شريكاً.
{وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} حرَّموا أنعاماً وحرثاً، وجعلوها لأصنامهم، فقالوا: {لا يطعمها إلاَّ مَنْ نشاء بزعمهم} أعلم الله سبحانه أنَّ هذا التَّحريم كذبٌ من جهتهم {وأنعام حرّمت ظهورها} كالسَّائبة والبحيرة والحامي {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} يقتلونها لآلهتهم خنقاً، أو وقذاً {افتراءً عليه} أَيْ: يفعلون ذلك للافتراء على الله، وهو أنَّهم زعموا أنَّ الله أمرهم بذلك.


{وقالوا ما في بطون هذه الأنعام} يعني: أجِنَّة ما حرَّموها من البحائر والسَّوائب {خالصةٌ لذكورنا} حلالٌ للرِّجال خاصَّة دون النِّساء. هذا إذا خرجت الأجنَّة أحياء، وإن كان ميتةً اشترك فيها الرِّجال والنِّساء {سيجزيهم وصفهم} سيجزيهم الله جزاء وصفهم الذي هو كذبٌ، أَيْ: سيعذِّبهم الله بما وصفوه من التَّحليل والتَّحريم الذي كلُّه كذبٌ {إنه حكيم عليم} أَيْ: هو أعلم وأحكم من أن يفعل ما يقولون.
{قد خسر الذين قتلوا أولادهم} بالوأد {سفهاً} للسَّفه {وحرَّموا ما رزقهم الله} من الأنعام. يعني: البحيرة وما ذُكر معها.
{وهو الذي أنشأ} أبدع وخلق {جنات معروشات} يعني: الكرم {وغير معروشات} ما قام على ساق ولم يُعرش له، كالنَّخل والشَّجر {والنخل والزرع مختلفاً أكله} أُكُلُ كلِّ واحدٍ منهما، وكلِّ نوعٍ من الثَّمر له طعمٌ غير طعم النَّوع الآخر، وكلُّ حبٍّ من حبوب الزَِّرع له طعمٌ غير طعم الآخر {كلوا من ثمره إذا أثمر} أمر إباحة {وآتوا حقه يوم حصاده} يعني: العشر ونصف العشر {ولا تسرفوا} فتعطوا كلَّه حتى لا يبقى لعيالكم شيء {إنه لا يحب المسرفين} يعني: المجاوزين أمر الله.
{ومن الأنعام} وأنشأ من الأنعام {حمولة} وهي كلُّ ما حمل عليها ممَّا أطاق العمل والحمل {وفرشاً} وهو الصِّغار التي لا يحمل عليها، كالغنم، والبقر، والإِبل الصِّغار {كلوا مما رزقكم الله} أَيْ: أحلَّ لكم ذبحه {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} في تحريم شيءٍ ممَّا أحله الله {إنه لكم عدو مبين} بيِّنُ العداوة أخرج أباكم من الجنَّة، وقال: لأحتنكنَّ ذريته، ثمَّ فسر الحمولة والفرش فقال: {ثمانية أزواج} الذَّكر زوجٌ، والأنثى زوجٌ، وهي الضَّأن والمعز، وقد ذُكرا في هذه الآية، والإِبل والبقر ذُكرا فيما بعد، وجعلها ثمانيةً؛ لأنَّه أراد الذَّكر والأُنثى من كلِّ صنفٍ، وهو قوله: {من الضَّأن اثنين ومن المعز اثنين} والضَّأن: ذوات الصُّوف من المعز، والغنم: ذوات الشَّعر {قل} يا محمَّد للمشركين الذين يُحرِّمون على أنفسهم ما حرَّموا من النَّعم: {آلذكرين} من الضَّأن والمعز {حرَّم} الله عليكم {أم الأُنثيين} فإن كان حرَّم من الغنم ذكورها، فكلُّ ذكورها حرام، وإن كان حرَّم الأنثيين، فكلُّ الإِناث حرام {أمَّا اشتملت عليه أرحام الأُنثيين} وإن كان حرَّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضَّأْنِ والمعز، فقد حرَّم الأولاد كلَّها، وكلُّها أولادٌ فكلُّها حرام {نبئُوني بعلم} أَيْ: فسِّروا ما حرَّمتم بعلمٍ إن كان لكم علمٌ في تحريمه، وهو قوله: {إن كنتم صادقين}.


{أم كنتم شهداء إذْ وصاكم الله بهذا} هل شاهدتم الله قد حرَّم هذا إذْ كنتم لا تؤمنون برسول الله؟! فلمَّا لزمتهم الحجَّة بيَّن الله تعالى أنَّهم فعلوا ذلك كذباً على الله، فقال: {فمن أظلم ممَّن افتَرى على الله كذباً ليضلَّ الناس بغير علم...} الآية. يعني: عمرو بن لحي، وهو الذي غيَّر دين إسماعيل، وسنَّ هذا التَّحريم. ثمَّ ذكر المحرَّمات بوحي الله، فقال: {قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرَّماً على طاعم يطعمه إلاَّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً} يعني: سائلاً {أو فسقاً أهلَّ لغير الله به} يعني: ما ذًبح على النُّصب.
{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} يعني: الإِبل، والنَّعامة {ومن البقر والغنم حرَّمنا عليهم شحومهما إلاَّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا} وهي المباعر {أو ما اختلط بعظم} فإنِّي لم أحرّمه. يعني: ما تعلَّق من الشَّحم بهذه الأشياء {ذلك} التَّحريم {جزيناهم ببغيهم} عاقبناهم بذنوبهم {وإنا لصادقون} في الإِخبار عن التَّحريم، وعن بغيهم، فلمَّا ذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حُرِّم على المسلمين، وما حرِّم على اليهود قالوا له: ما أصبت، وكذَّبوه، فأنزل الله تعالى: {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة} ولذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة {ولا يرد بأسه} عذابه إذا جاء الوقت {عن القوم المجرمين} يعني: الذين كذَّبوك بما تقول.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12